فصل: مَوْعِظَة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.مَوْعِظَة:

عباد الله اقْتَضَتْ حِكْمةُ الله العليمِ الخبير بأنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ ابتداء لابد له مِن نِهَايَةٍ، وكُلَّ شَيْءٍ لهُ أول حَتْمًا لا مَنَاصَ لَهُ آخِر، والعِبرةُ بالخاتمةِ نسأل الله حُسْنَهَا.
وَأَنَّ الأَيامَ وَالليالي تَمرُ والعُمُرُ يَنْقَضِي والحياةُ تَزُولُ، ولا يَبْقَى إلا ما قَدَّمْتَهُ مِن صالح الأعمالِ يَنْفَعُكَ: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}.
فالأَمرُ أَيُّها المسلمُ خَطِير فَإِن مَوْقِفًا مِنْ مَوَاقِفِ الْقِيَامَةِ تَشِيبُ مِنْ هَوْلِهِ الوِلدان يومَ تمورُ فيه السماءُ مُورًا وتسيرُ الجبالُ سيرًا.
يَوم تذهلُ فيهِ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ حَمْلٍ حَمْلَهَا: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ *وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}، {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ}.
يُنَادِ بِالحشرِ: يَا أَيُّتهَا الْعِظامُ الْبَالِيةُ وَالأَوْصَالُ الْمُتَقَطَّعَةُ وَاللُّحُومُ الْمُتَمَزِّقَةُ والشعورُ المتفرقةُ، إن الله يأمرُكن أن تجتمَعْنَ لِفَصِل القضاء، فَتَخْرُجُ الخلائقُ مِن قبورها.
إن يومًا هذا بعضُ أحوالِهِ جَدِير أن يُسْتَعَدَّ له بصالحِ الأعمال.
فيا عِبَادَ اللهِ كُونُوا من الدنيا على حَذَرٍ وأَكْثِرُوا ذِكْرِ هَاذِم اللذات وَتَذَكَّرُوا مَا ذَهَبَ مِنْ أَعماركم كَمْ وَفَاتَ فَكَأني بِكم وَقَدْ نَقَلَكُم الأَجلُ إلى انقضاءِ المدةِ.
فيا رَهَائِنَ الموتِ وأعراضَ المنغمسينَ في الآثامِ أَعلَى الله تَجْتَرِؤُن، وعلى الدنيا وحطامِها الفاني تَتَنَافَسُون، وفي دار النُقْلَةِ تَتَحَاسِدُون.
أمرتُم بِخَرَابِهَا فَعَمَرتُموها وَنُهِيتُم عن تَزْيِينِهَا فَزَخْرَفْتُمُوهَا وَنُذْبِتُم لطلب الآخرةِ فَأَهْمَلتُمُوهَا وَدَعَتْكُم الخداعةُ الغَرَّارَةُ بِدَاوَعِيهَا فَأَجَبْتُمُوهَا فَشَغَلتْكُمْ بلذاتها وقمَعَتْكُمْ بِشَهَوَاتِهَا ورَضِيتمُ مِن الكثير باليسيرِ وبِعْتُم الجزيلَ بالحقيرِ وَتَكَاسَلْتُم عن الجِدِ وَالتَّشْمِير وأقمتمُ على التَّسْوِيفِ والتَّعْذِيرِ.
عباد الله أَيْنَ الْخَوْفُ وَالْوَجَلُ وَالاستغفَارُ، وَأَيْنَ الْخُشُوعُ وَالْخُضُوعُ وَالبكاءُ وجريان الدموعِ على الذنوبِ التي تَذَكّرُها يَرُوع، أينَ التفكرُ والاعتبار.
ألا فاحْذروا المعاصي فإنها جَالِبَةُ النَّقَمِ وَمُغَيرَةِ النَّعِم والأحوال وَقَالَ الله جل وعلا: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}.
عِبَادَ اللهِ لا تَغُرَّنَكُمْ الدنيا كمال غَرَّتْ مَن قَبْلَكم فَإِنَّ حَظَّهَا مَشْؤُم وإن نَعِيمَهَا وَإِنْ طَالَ لا يَدُوم:
وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا عَرُوسًا وَجَدَّتَها ** بِمَا قَتَلَتْ أَوْلادَها لا تُزَوَّجُ

ويقول الآخر:
وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا مِن الإِنْسِ لَمْ تَكُنْ ** سِوَى مُوْمِسٍ أَفْنَتْ بِمَا سَاءَ عُمْرَهَا

عِبَادَ اللهِ لا يخدعنكم الأملُ فإن الأجلَ مَحتُوم ولا يَصدنكم الشيطانُ عما خلقُتم لَهُ مِنْ عِبادة الحي القيومِ ولا تغرنكُ الأَماني فإنها حلم المستيقض وسَلْوَةُ المحزون، قَالَ الله جل وعلا: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ} وقال تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}.
لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ ** فَلا يُغِرُّ بِطِيب العيش إنسان

هي الأمورُ كما شَاهَدْتَهَا دُوَل ** مَن سَرَّهُ زَمَنٌ سَآته أَزْمَان

وَعَالم الكَوْنِ لا تَبقَى محاسِنُه ** ولا يَدُومُ على حالٍ لَهَا شانَ

يُمزّقُ الدهُر حَتْمًا كُلَّ سَابِغَةٍ ** إِذَا نَبِتْ مشرفيات وَخِرْصَان

وَيُنْتَضَى كُلَّ سَيْفٍ لِلْفَنَاءِ ولو ** كان ابنَ ذِي يَزَنٍ وَالْغُمْدُ غُمدان

أينَ الملوكُ ذُووا التِّيجَانِ مِنَ يَمنِ ** وأينَ منهم أكاليل وَتِيجانُ

وأينَ ما شادَهُ شَدَّادُ مِن إِرْمٍ ** وأينَ مَا سَاسَه في الفُرس ساسان

وأينَ ما حَازَهُ قَارُونُ مِن ذَهَبٍ ** وأينَ عَادٌ وَشَدادٌ وَقَحْطانُ

أَتَى على الْكُلّ أَمْرٌ لا مَرَدَّ لَهُ ** حَتَّى قَضَوا فَكَانَّ الكلَّ ما كَانوا

وَصَارَ مَا كَانَ مِن مُلْكٍ وَمِن مَلِكٍ ** كَمَا حَكَى عَنْ خَيَالِ الطيف وَسَنَانُ

دَارَ الزَّمَانُ عَلَى دَارَا وَقَاتِلِهِ ** وَأَمَّ كِسْرى فَمَا آوَاهُ إِيوَانُ

كَأَنَّمَا الصَّعْب لم يَسْهُلْ لَهُ سَبَبُ ** يَوْمًا وَلَمْ يَمْلِكِ الدُّنْيَا سُلَيْمَانُ

فَجَائِعُ الدَّهْرِ أَنْواعٌ مُنَوَّعَةٌ ** وَلِلزَّمَانِ مَسَرِّاتٌ وَأَحْزَانُ

وَلِلْمَصَائِبِ سُلْوَانُ يُهَّوِنُهَا ** وَمَا لِمَا حَلَّ بِالإسلام سُلْوَانُ

دَهىَ الْجَزِيرَةَ أَمْرٌ لا عَزَاء لَهُ ** هَوىَ لَهُ أَحَدٌ وَإِنْهَدَّ ثَهْلانُ

أَصَابَهَا الْعَيْنُ فِي الإسلام فَإرْتَزأَتْ ** حَتَّى خَلَتْ مِنْهُ أَقْطَارٌ وَبلدان

فاسألْ بَلنَسْيَةً مَا َشأنُ مُرْسيةٍ ** وَأَيْنَ قُرْطبةٌ أَمْ أَيْنَ جَيَّانُ

وَأَيْنَ حِمْصٌ وَمَا تَحْوِيهِ مِنْ نُزَهٍ ** وَنَهْرُهَا الْعِذْبُ فَيَّاضٌ لَهُ شَانُ

كَذَا طُلَيْطلةٌ دَارُ العُلُومِ فَكَمْ ** من عالمٍ قَدْ سَمَا فيهَا لَهُ شَانُ

وَأَيْنَ غُرْناطةٌ دَارُ الجهادِ وَكَمْ ** أُسْدٌ بِهَا وَهُمُ في الحَرْبِ عُقْبَانُ

وَأَيْنَ حَمْرَاؤُهَا الْعَلْيَا وَزُخْرُفُهَا ** كَأَنَّهَا مِنْ جِنَانِ الْخُلْدِ عَدْنَانُ

قَوَاعِدٌ كُنَّ أَركَانَ البلادِ فَمَا ** عَسَى البقاءُ إِذَا لم تَبْقَى أركانُ

وَالماءُ يَجْرِي بِسَاحَاتِ الْقُصُورِ بها ** قَدْ حَفَّ جَدوَلَهَا زَهْرٌ وَرَيْحَانُ

وَنَهْرُهَا الْعَذْبُ يَحْكِي فِي تَسَلْسُلِهِِ ** سُيُوفَ هِنْدٍ لَهَا فِي الْجَوّ لَمْعَانُ

وَأَيْنَ جَامِعُهَا الْمَشْهُورُ كَمْ تُلَيَتْ ** في كُلِّ وَقْتٍ بِهِ آيٌ وَفُرْقَانُ

وَعَالِم كَانَ فِيهِ لِلْجَهُولِ هُدَى ** مُدَرِّسٌ وَلَهُ فِي الْعِلْمِ تِبْيَانُ

وَعَابِدٌ خَاضِعٌ للهِ مُبْتَهِلٌ ** وَالدَّمْعُ مِنْهُ عَلَى الْخَدَّيْنِ طُوفَان

وَأَيْنَ مَالِقَةٌ مَرْسَى المراكب كَمْ ** أُرْسَتْ بِسَاحَتِهَا فُلْكٌ وَغُرْبانُ

وَكَمْ بِدَاخِلِهَا مِنْ شَاعِرٍ فَطِنٍ ** وَذِي فُنُونٍ لَهُ حِذْقٌ وَتِبْيَانُ

وَكَمْ بِخَارِجِهَا مِنْ مَنْزَهٍ فرجٍ ** وَجَنَّةٍ حَوْلَهَا نَهْرٌ وَبُسْتَانُ

وَأَيْنَ جَارَتُهَا الزَّهْرَا وَقُبَتَّهَا ** وَأَيْنَ يَا قَوْمُ أَبْطَالُ وَفُرْسَانُ

وَأَيْنَ بَسْطَةُ دَارِ الزَّعْفَرَانِ فَهَلْ ** رَأى شَبِيهًا لَهَا في الحُسْنِ إِنْسَانُ

وَكَمْ شُجَاع زَعِيمٍ في الوغَى بَطلٍ ** تَبْكِيهِ مِنْ أَرْضِهِ أَهْلٌ وَوِلْدَانُ

وَوَادِيًا مَن غَدَتْ بِالْكُفْرِ عَامِرَةً ** وَرَدَّ تَوْحِيدَهَا شِرْكٌ وَطُغْيَانُ

كَذَا الْمَرَيَّةُ دَارُ الصَّالِحِينَ فَكَمْ ** قُطْبٌ بِهَا عِلْمٌ بَحْرٌ لَهُ شَانُ

تَبْكِي الْحَنِيفيةُ الْبَيْضَاءُ مِنْ أَسَفٍ ** كَمَا بَكَى لِفِرَاقِ الإِلْفِ هَيْمَانُ

حَتَّى الْمَحَارِيب تَبْكِي وَهِيَ جَامِدَة ** حَتَّى الْمَنَابِرَ تَبْكِي وَهِيَ عِيدَانُ

عَلَى دِيَارٍ مِنْ الإسلام خَالِيَةٍ ** قَدْ أَقْفَرَتْ وَلَها بِالْكُفْرِ عُمْرَانُ

حَيْثُ الْمَسَاجِدَ قَدْ أَمْسَتْ كَنَائِسَ مَا ** فِيهِنَّ إِلا نَوَاقِيسٌ وَصُلْبَانُ

يَا غَافِلاً وَلَهُ فِي الدَّهْرِ مَوْعِظَةٌ ** إِنْ كُنْتَ فِي سِنةٍ فَالدَّهْرُ يَقْظَانُ

وَمَاشيًا مَرِحًا يُلْهِيهُ مَوْطَنُهُ ** أَبَعْدَ حِمْصٍ تَغُرُ المرءَ أَوْطَانُ

تِلْكَ الْمصِيبَةُ أَنْسَتْ مَا تَقَدَّمَهَا ** وَمَا لَهَا مَعْ طَوِيلِ الدَّهْرِ نِسْيَانُ

يَا رَاكِبِينَ عِتَاقَ الْخَيْلِ ضَامِرَةً ** كَأَنَّهَا فِي مَجَالِ السَّبْقِ عقبانُ

وَحَامِلِينَ سُيُوفَ الْهِنْدِ مُرْهَفَةً ** كَأَنَّهَا فِي ظَلامِ اللَّيْلِ نِيرَانُ

وَرَاتِعِينَ وَرَاءَ النَّهْرِ فِي دَعَةٍ ** لَهُمْ بِأَوْطَانِهِمْ عَزٌ وَسُلْطَانُ

أَعِنْدَكُمْ نَبَأَ مِنْ أَمْرِ أَنْدَلُسِ ** فَقَدْ سَرَى بِحَدِيثِ الْقَوْمِ رُكْبَانُ

كَمْ يَسْتَغِيثُ صَنَادِيدُ الرِّجَال وَهُمْ ** أَسْرَى وَقَتْلَى فَلا يَهْتَزُ إِنْسَانُ

إِلا نُفُوسٌ أَبْيَاتٌ لَهَا هِممٌ ** أَمَا عَلَى الْخَيْرِ أَنْصَارٌ وَأَعْوَانُ

يَا مَنْ لِنُصْرَةِ قَوْمٍ قُسِموا ** سَطَا عَلَيْهِمْ بِهَا كُفْرٌ وَطُغْيَانُ

بِالأَمْسِ كَانُوا مُلُوكًا فِي مَنَازِلهِم ** وَالْيَوْمَ هُمْ في قُيُودِ الْكُفْرِ عُبْدَانُ

فَلَوْ تَرَاهُمْ حَيَارَى لا دَلِيلَ لَهُمْ ** عَلَيْهِمْ مِنْ ثِيَابِ الذُّلِ أَلْوَانُ

وَلَوْ رَأَيْتَ بُكَاهُم عِنْدَ بِيعِهِمْ ** لَهَالَكَ الأَمْرُ وَاسْتَهْوَتْكَ أَحْزَانُ

يَا رُبَّ طِفْل وَأُمٍّ حِيلَ بَيْنَهُمَا ** كَمَا تُفَرّقَ أَرْوَاحٌ وَأَبْدَانُ

وَطَفلَةٍ مِثْلَ حُسْنُ الشَّمْسِ إِذ طَلَعَتْ ** كَأَنَّمَا هِيَ يَاقُوتٌ وَمُرْجَانُ

لِمثْلِ هَذَا يَذُوبْ الْقَلْبُ مِنْ كَمَدٍ ** إِنْ كَانَ فِي الْقَلْبِ إسلامٌ وَإِيمانُ

هَلْ لِلْجَهَادِ بِهَا مِنْ طَالِبِ فَلَقَدْ ** تَزَخْرَفَتْ جَنَّةُ الْمَأْوَى لَهَا شَانُ

وَأَشْرَفَ الْحُورُ وَالوِلْدَانُ مِن غُرَفٍ ** فَازَتْ وَرَبِّ بِهَذَا الْخَيْرِ شُجَعَانُ

ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ مُضَرٍ ** مَا هَبَّ رِيحُ الصَّبَا وَاهْتَزَّ أَغْصَانُ

هذه منظومة وعظية نقلناها من مقامات الحريري:
خَلِ ادَّكَارَ الأَرْبِعِ ** وَالمَعْهَدِ المُرْتَبِعِ

وَالظَّاعِنِ المُوَدَّعِ ** وَعَدِّ عَنْهُ وَدَعِ

وَانْدُبْ زَمَانًا سَلَفَا ** سَوَّدَتَ فِيهِ الصُّحُفَا

وَلَمْ تَزَلْ مُعْتَكِفَاً ** عَلَى الْقَبِيحِ الشَّنِعِ

كَمْ لَيْلَةٍ أَوْدَعْتَهَا ** مَآثِمًا أبَدْعَتْهَا

لِشَهْوَةٍ أَطَعْتَهَا ** في مَرْقَدٍ وَمَضْجَعِ

وَكَمْ خُطَى حَثَثْتَهَا ** في خَزْنَةٍ أَحْدَثْتَهَا

وَتَوْبَةٍ نَكَثْتَهَا ** لِمَلْعَبِ وَمَرْتَعِ

وَكَمْ تَجَرَّأْتَ عَلَى ** رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْعُلَى

وَلَمْ تُرَاقِبْهُ وَلا ** صَدَقْتَ فِيمَا تَدَّعِي

وَكَمْ غَمَصْتِ بِرَّهُ ** وَكَمْ أَمِنْتَ مَكْرَهُ

وَكَمْ نَبَذْتَ أَمْرَهُ ** نَبْذَ الحَذَاء الْمُرَقَّعِ

وَكَمْ رَكَضْتَ في اللَّعِب ** وَفُهْتَ عَمْدًا بِالْكَذِبِ

وَلَمْ تُرَاعِ مَا يَجِبْ ** مِنْ عَهْدِهِ الْمُتَبَّعِ

فَالْبِسْ شِعَارَ النَّدَمِ ** وَاسْكُبْ شَآبِيبَ الدَّمِّ

قَبْلَ زَوَالِ الْقَدَمِ ** وَقَبْلَ سُوءِ الْمَصْرَعِ

وَاخضَعْ خُضُوعَ الْمُعْتَرفْ ** وَلُذْ مَلاذَ الْمُقْتَرفْ

وَاعْصِ هَوَاكَ وَانْحَرَفْ ** عَنْهُ انْحِرَافَ الْمُقْلِعِ

إِلامَ تَسْهُو وتَنَيِ ** وَمُعْظَمُ الْعُمُرِ فَنِي

فِيمَا يَضُرُّ الْمُقْتَنِي ** وَلَسْتَ بِالْمُرْتَدِعِ

أَمَا تَرَى الشَّيْبَ وَخَطْ ** وَخَطَّ فِي الرَّأْسِ خُطَطْ

وَمَنْ يَلِحْ وَخْطَ الشَّمَطْ ** بِفَوْدِهِ فَقَدْ نُعِي

وَيْحَكِ يَا نَفْسُ احْرِصِي ** عَلَى ارْتِيَادِ الْمَخْلَصِ

وَطَاوِعِي وَاخْلِصِي ** وَاسْتَمِعِي النُّصْحَ وَعِي

وَاعْتَبِرِي بِمَنْ مَضَى ** مِن الْقُرُونِ وَانْقَضَى

وَأَخْشَى مُفَاجَأَةَ الْقَضَا ** وَحَاذِرِي أَنْ تُخْدَعِي

وَانْتِهَجِي سُبْلَ الْهُدَى ** وَادَّكِرِي وَشْك الرَّدَى

آهًا لَهُ بَيْتُ الْبَلَى ** وَالْمَنْزِلِ الْفَقْرِ الْخَلا

وَمَوْرِدِ السَّفْرِ الأُولَى ** وَاللاحِقِ الْمُتَبَّعِ

بَيْتٌ يُرَى مَن أَُودِعَهْ ** قَدْ ضَمَّهُ وَاسْتَوْدَعَهْ

بَعْدَ الْفَضَاءِ وَالسَّعَةْ ** قَيْدَ ثَلاثِ أَذْرُعِ

لا فَرْقَ أَنْ يَحِلَّهُ ** دَاهِيَةٌ أَوْ أَبْلَهُ

أَوْ مُعْسِرٌ أَوْ مَنْ لَهُ ** مُلْكٌ كَمُلْكِ تُبَّعِ

وَبَعْدَهُ الْعَرْضُ الَّذِي ** يَحْوِي الْحِيّي وَالْبذِي

وَالْمُبْتَدِي وَالْمُحْتَذِي ** وَمَنْ رَعَى وَمََنْ رُعِي

فَيَا مَفَازَ الْمُتَّقِي ** وَرِبْحَ عَبْدٍ قَدْ وُقِي

سُوءَ الْحِسَابِ الْمُوبِقِ ** وَهَوْلَ يَوْمَ الْمَفْزَعِ

وَيَا خَسَارَ مَنْ بَغَى ** وَمَنْ تَعَدَّى وَطَغَى

وَشَبَّ نِيرَانَ الْوَغَى ** لِمَطْعَمِ أَوْ مَطْمَعِ

يَا مَنْ عَلَيْهِ الْمُتَّكَلْ ** قَدْ زَادَ مَا بِي مِنْ وَجَلْ

لِمَا اجْتَرَمْتُ مِنْ زَلَلْ ** فِي عُمْرِي الْمُضَيِّعِ

فَاغْفِرْ لِعَبْدٍ مُجْتَرِمْ ** وَارْحَمْ بُكَاهُ الْمُنْسَجَمْ

فَأَنْتَ أَوْلَى مَن رَحِمْ ** وَخَيْرَ مَدْعُوٍّ دُعِي

اللَّهُمَّ ثَبت مَحَبَّتَكَ فِي قُلُوبِنَا وَقَوِّهَا وَوَفِّقْنَا لِشُكْرِكَ وَذِكْرِكَ وَارْزُقْنَا التَّأهُبَ وَالاسْتِعْدَادِ لِلِقَائِكِ وَاجْعَلْ خِتَامَ صَحَائِفِنَا كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ واغْفِرْ لَنِا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.